الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بداية المجتهد ونهاية المقتصد (نسخة منقحة)
.الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَأَمَّا هَذِهِ الْأَوْقَاتُ: (أَعْنِي أَوْقَاتَ الضَّرُورَةِ للمصلى): لِلْحَائِضِ تَطْهُرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ أَوْ تَحِيضُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهِيَ لَمْ تُصَلِّي. وَالْمُسَافِرِ يَذْكُرُ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ حَاضِرٌ، أَوِ الْحَاضِرِ يَذْكُرُهَا فِيهَا وَهُوَ مُسَافِرٌ. وَالصَّبِيِّ يَبْلُغُ فِيهَا. وَالْكَافِرِ يُسْلِمُ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ كَالْحَائِضِ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي عِنْدَهُمُ الصَّلَاةَ الَّتِي ذَهَبَ وَقْتُهَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْضِي الصَّلَاةَ فِيمَا دُونَ الْخَمْسِ، فَإِذَا أَفَاقَ عِنْدَهُ مِنْ إِغْمَائِهِ مَتَى مَا أَفَاقَ قَضَى الصَّلَاةَ. وَعِنْدَ الْآخَرِ أَنَّهُ إِذَا أَفَاقَ فِي أَوْقَاتِ الضَّرُورَةِ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي أَفَاقَ فِي وَقْتِهَا، وَإِذَا لَمْ يُفِقْ فِيهَا لَمْ تَلْزَمْهُ الصَّلَاةُ، وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا طَهُرَتْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ الَّتِي طَهُرَتْ فِي وَقْتِهَا، فَإِنْ طَهُرَتْ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى رَكْعَةٍ فَالْعَصْرُ فَقَطْ لَازِمَةٌ لَهَا وَإِنْ بَقِيَ خَمْسُ رَكَعَاتٍ فَالصَّلَاتَانِ مَعًا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إِنْ بَقِيَ رَكْعَةٌ لِلْغُرُوبِ، فَالصَّلَاتَانِ مَعًا كَمَا قُلْنَا، أَوْ تَكْبِيرَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَهُ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُسَافِرِ النَّاسِي يَحْضُرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، أَوِ الْحَاضِرِ يُسَافِرُ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يُسْلِمُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ: (أَعْنِي أَنَّهُ تَلْزَمُهُمُ الصَّلَاةُ) وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ يَبْلُغُ، وَالسَّبَبُ فِي أَنْ جَعَلَ مَالِكٌ الرَّكْعَةَ جُزْءًا لِآخِرِ الْوَقْتِ، وَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ جُزْءَ الرَّكْعَةِ حَدًّا مِثْلَ التَّكْبِيرَةِ مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ»، وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَقَلِّ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَكْثَرِ عَلَى الْأَقَلِّ، وَأَيَّدَ هَذَا بِمَا رُوِيَ «مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» فَإِنَّهُ فَهِمَ مِنَ السَّجْدَةِ هَهُنَا جُزْءًا مِنَ الرَّكْعَةِ، وَذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِ الَّذِي قَالَ فِيهِ: مَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمْ تَكْبِيرَةً قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوِ الطُّلُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ. وَمَالِكٌ يَرَى أَنَّ الْحَائِضَ إِنَّمَا تَعْتَدُّ بِهَذَا الْوَقْتِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طُهْرِهَا، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ يَبْلُغُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ يُسْلِمُ فَيُعْتَدُّ لَهُ بِوَقْتِ الْإِسْلَامِ دُونَ الْفَرَاغِ مِنَ الطُّهْرِ، وَفِيهِ خِلَافٌ. وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ كَالْحَائِضِ، وَعِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ كَالْكَافِرِ يُسْلِمُ، وَمَالِكٌ يَرَى أَنَّ الْحَائِضَ إِذَا حَاضَتْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَهِيَ لَمْ تُصَلِّي بَعْدُ أَنَّ الْقَضَاءَ سَاقِطٌ عَنْهَا، وَالشَّافِعِيُّ يَرَى أَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَهُوَ لَازِمٌ لِمَنْ يَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِدُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، لِأَنَّهَا إِذَا حَاضَتْ وَقَدْ مَضَى مِنَ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الصَّلَاةُ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الصَّلَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِآخِرِ الْوَقْتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مَذْهَبَ مَالِكٍ، فَهَذَا كَمَا تَرَى لَازِمٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (أَعْنِي: جَارِيًا عَلَى أُصُولِهِ لَا عَلَى أُصُولِ قَوْلِ مَالِكٍ). .الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا: أَحَدُهُمَا: فِي عَدَدِهَا. وَالثَّانِي: فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ عَنْ فِعْلِهَا فِيهَا. .الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: [عَدَدُ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا]: وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ لِلْعَمَلِ تَأْثِيرًا، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمَنْعِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي الْعَمَلِ وَقُوَّتِهِ فِي كِتَابِنَا فِي الْكَلَامِ الْفِقْهِيِّ، وَهُوَ الَّذِي يُدْعَى بِأُصُولِ الْفِقْهِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَمَّا صَحَّ عِنْدَهُ مَا رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَخْرُجَ عُمَرُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ خُرُوجَ عُمَرَ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى مَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ الطُّنْفُسَةِ الَّتِي كَانَتْ تُطْرَحُ إِلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ، فَإِذَا غَشِيَ الطُّنْفُسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَ مَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ النَّهْيِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَوَّى هَذَا الْأَثَرَ عِنْدَهُ الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَثَرُ عِنْدَهُ ضَعِيفًا. وَأَمَّا مَنْ رَجَّحَ الْأَثَرَ الثَّابِتَ فِي ذَلِكَ، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ فِي النَّهْيِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَسَبَبُهُ تَعَارُضُ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ». وَالثَّانِي: حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَيْنِ فِي بَيْتِي قَطُّ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ» فَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بِالْمَنْعِ، وَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَوْ رَآهُ نَاسِخًا، لِأَنَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِالْجَوَازِ، وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ يُعَارِضُ حَدِيثَ عَائِشَةَ، وَفِيه: «أَنَّهَا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَهُمَا هَاتَانِ». .الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: [الصَّلَوَاتُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ عَنْ فِعْلِهَا في أوقات النهي فِيهَا]: قَوْلٌ: هِيَ الصَّلَوَاتُ بِإِطْلَاقٍ. وَقَوْلٌ: إِنَّهَا مَا عَدَا الْفُرُوضَ سَوَاءٌ كَانَتْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا. وَقَوْلٌ: إِنَّهَا النَّفْلُ دُونَ السُّنَنِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي مَنَعَ مَالِكٌ فِيهَا صَلَاةَ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْغُرُوبِ قَوْلٌ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنَّهَا النَّفْلُ فَقَطْ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، وَالنَّفْلُ وَالسُّنَنُ مَعًا عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْعُمُومَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ فِي ذَلِكَ (أَعْنِي الْوَارِدَةَ فِي السُّنَّةِ) وَأَيٌّ يُخَصُّ بِأَيٍّ، وَذَلِكَ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» يَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَقَوْلُهُ فِي أَحَادِيثِ النَّهْيِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا» يَقْتَضِي أَيْضًا عُمُومَ أَجْنَاسِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالسُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ، فَمَتَى حَمَلْنَا الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْعُمُومِ فِي ذَلِكَ وَقَعَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ هُوَ مِنْ جِنْسِ التَّعَارُضِ الَّذِي يَقَعُ بَيْنَ الْعَامِّ، وَالْخَاصِّ، إِمَّا فِي الزَّمَانِ، وَإِمَّا فِي اسْمِ الصَّلَاةِ. فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي الزَّمَانِ: (أَعْنِي اسْتِثْنَاءَ الْخَاصِّ مِنَ الْعَامِّ) مَنَعَ الصَّلَوَاتِ بِإِطْلَاقٍ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى اسْتِثْنَاءِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا بِالْقَضَاءِ مِنْ عُمُومِ اسْمِ الصَّلَاةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مَنَعَ مَا عَدَا الْفَرْضَ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ، وَقَدْ رَجَّحَ مَالِكٌ مَذْهَبَهُ مِنِ اسْتِثْنَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ عُمُومِ لَفْظِ الصَّلَاةِ بِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَلِذَلِكَ اسْتَثْنَى الْكُوفِيُّونَ عَصْرَ الْيَوْمِ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، لَكِنْ قَدْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَثْنُوا مِنْ ذَلِكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ أَيْضًا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهَا، وَلَا يَرُدُّوا ذَلِكَ بِرَأْيِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمُدْرِكَ لِرَكْعَةٍ قَبْلَ الطُّلُوعِ يَخْرُجُ لِلْوَقْتِ الْمَحْظُورِ، وَالْمُدْرِكَ لِرَكْعَةٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَخْرُجُ لِلْوَقْتِ الْمُبَاحِ. وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ عُمُومِ اسْمِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، لِأَنَّ عَصْرَ الْيَوْمِ لَيْسَ فِي مَعْنَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، وَكَذَلِكَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا فِي الصُّبْحِ لَوْ سَلَّمُوا أَنَّهُ يُقْضَى فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَإِذًا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ آيِلٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى الَّذِي وَرَدَ بِهِ اللَّفْظُ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ أَمْ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ؟ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ رَأَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ ذَلِكَ هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ فَقَطِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِمَا، فَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَطْ، وَلَا الصُّبْحِ بَلْ هِيَ جَمِيعُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، فَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ هَاهُنَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ هِيَ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنِ اسْمِ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ هَهُنَا دَلِيلٌ أَصْلًا لَا قَاطِعٌ وَلَا غَيْرُ قَاطِعٍ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الزَّمَانِ الْخَاصِّ الْوَارِدِ فِي أَحَادِيثِ النَّهْيِ مِنَ الزَّمَانِ الْعَامِّ الْوَارِدِ فِي أَحَادِيثِ الْأَمْرِ دُونَ اسْتِثْنَاءِ الصَّلَاةِ الْخَاصَّةِ الْمَنْطُوقِ بِهَا فِي أَحَادِيثِ الْأَمْرِ مِنَ الصَّلَاةِ الْعَامَّةِ الْمَنْطُوقِ بِهَا فِي أَحَادِيثِ النَّهْيِ، وَهَذَا بَيِّنٌ، فَإِنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ حَدِيثَانِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامٌّ وَخَاصٌّ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُصَارَ إِلَى تَغْلِيبِ أَحَدِهِمَا إِلَّا بِدَلِيلٍ (أَعْنِي اسْتِثْنَاءَ خَاصِّ هَذَا مِنْ عَامِّ ذَاكَ أَوْ خَاصِّ ذَاكَ مِنْ عَامِّ هَذَا) وَذَلِكَ بَيِّنٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .الْبَابُ الثَّانِي: فِي مَعْرِفَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ: الْأَوَّلُ: فِي الْأَذَانِ. وَالثَّانِي فِي الْإِقَامَةِ. .الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: الْأَذَانُ: الْأَوَّلُ: صِفَتُهُ. الثَّانِي: فِي حُكْمِهِ. الثَّالِثُ: فِي وَقْتِهِ. الرَّابِعُ: فِي شُرُوطِهِ. الْخَامِسُ: فِيمَا يَقُولُهُ السَّامِعُ لَهُ. .الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْأَذَانِ: إِحْدَاهَا: تَثْنِيَةُ التَّكْبِيرِ فِيهِ وَتَرْبِيعُ الشَّهَادَتَيْنِ وَبَاقِيهِ مُثَنًّى، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ التَّرْجِيعَ، وَهُوَ أَنْ يُثَنِّيَ الشَّهَادَتَيْنِ أَوَّلًا خَفِيًّا، ثُمَّ يُثَنِّيَهُمَا مَرَّةً ثَانِيَةً مَرْفُوعَ الصَّوْتِ. وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: أَذَانُ الْمَكِّيِّينَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ الْأَوَّلِ وَالشَّهَادَتَيْنِ وَتَثْنِيَةُ بَاقِي الْأَذَانِ. وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: أَذَانُ الْكُوفِيِّينَ، وَهُوَ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ الْأَوَّلِ، وَتَثْنِيَةُ بَاقِي الْأَذَانِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: أَذَانُ الْبَصْرِيِّينَ، وَهُوَ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ الْأَوَّلِ وَتَثْلِيثُ الشَّهَادَتَيْنِ وَحَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ وَحَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَيَبْدَأُ بِأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى يَصِلَ إِلَى حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ، ثُمَّ يُعِيدُ كَذَلِكَ مَرَّةً ثَانِيَةً: (أَعْنِي: الْأَرْبَعَ كَلِمَاتٍ تَبَعًا) ثُمَّ يُعِيدُهُنَّ ثَالِثَةً، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ. وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ فِرَقٍ اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ، وَاخْتِلَافُ اتِّصَالِ الْعَمَلِ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَدَنِيِّينَ يَحْتَجُّونَ لِمَذْهَبِهِمْ بِالْعَمَلِ الْمُتَّصِلِ بِذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ، وَالْمَكِّيُّونَ كَذَلِكَ أَيْضًا يَحْتَجُّونَ بِالْعَمَلِ الْمُتَّصِلِ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ وَالْبَصْرِيُّونَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ آثَارٌ تَشْهَدُ لِقَوْلِهِ. أَمَّا تَثْنِيَةُ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِهِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحِجَازِ فَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَتَرْبِيعُهُ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهِيَ زِيَادَاتٌ يَجِبُ قَبُولُهَا مَعَ اتِّصَالِ الْعَمَلِ بِذَلِكَ بِمَكَّةَ. وَأَمَّا التَّرْجِيعُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قُدَامَةَ: قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَأَبُو قُدَامَةَ عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَبِحَدِيثِ أَبِي لَيْلَى وَفِيه: «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَأَى فِي الْمَنَامِ رَجُلًا قَامَ عَلَى خُرْمِ حَائِطٍ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، فَأَذَّنَ مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى، وَأَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى» وَالَّذِي خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فَقَطْ وَهُوَ «أَنَّ بِلَالًا أُمِرَ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ إِلَّا: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهُ يُثَنِّيهَا» وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ عَلَى صِفَةِ أَذَانِ الْحِجَازِيِّينَ، وَلِمَكَانِ هَذَا التَّعَارُضِ الَّذِي وَرَدَ فِي الْأَذَانِ رَأَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُدُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ لَا عَلَى إِيجَابِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ مُخَيَّرٌ فِيهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ هَلْ يُقَالُ فِيهَا أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يُقَالُ ذَلِكَ فِيهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ لَا يُقَالُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأَذَانِ الْمَسْنُونِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: اخْتِلَافُهُمْ هَلْ قِيلَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِنَّمَا قِيلَ فِي زَمَانِ عُمَرَ؟ .الْقِسْمُ الثَّانِي: مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي [حُكْمُ الْأَذَانِ]: فَقِيلَ عَنْ مَالِكٍ: إِنَّ الْأَذَانَ هُوَ فَرْضٌ عَلَى مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَمْ يَرَهُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ لَا فَرْضًا وَلَا سُنَّةً. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ: هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى الْجَمَاعَةِ كَانَتْ فِي سَفَرٍ أَوْ فِي حَضَرٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي السَّفَرِ. وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةِ إِلَّا أَنَّهُ آكَدُ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَوْ فَرْضٌ عَلَى الْمِصْرِيِّ لِمَا ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ لَمْ يُغِرْ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْهُ أَغَارَ». وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ الْمَفْهُومِ مِنْ ذَلِكَ لِظَوَاهِرِ الْآثَارِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِصَاحِبِهِ: «إِذَا كُنْتُمَا فِي سَفَرٍ فَأَذِّنَا، وَأَقِيمَا قول لنبي، وَلْيَؤُمُّكُمَا أَكْبَرُكُمَا»، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنِ اتِّصَالِ عَمَلِهِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ، فَمَنْ فَهِمَ مِنْ هَذَا الْوُجُوبَ مُطْلَقًا قَالَ: إِنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ أَوْ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُغَلِّسِ عَنْ دَاوُدَ، وَمَنْ فَهِمِ مِنْهُ الدُّعَاءَ إِلَى الِاجْتِمَاعِ لِلصَّلَاةِ قَالَ: إِنَّهُ سُنَّةُ الْمَسَاجِدِ أَوْ فَرْضٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجْتَمِعُ إِلَيْهَا الْجَمَاعَةُ. فَسَبَبُ الْخِلَافِ: هُوَ تَرَدُّدُهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا مِنْ أَقَاوِيلِ الصَّلَاةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَا أَوْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهِ هُوَ الِاجْتِمَاعَ. .الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي وَقْتِهِ: أَحَدُهُمَا: الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ الثَّابِتُ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ أذان الأعمى، وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ». وَالثَّانِي: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ» وَحَدِيثُ الْحِجَازِيِّينَ أَثْبَتُ، وَحَدِيثُ الْكُوفِيِّينَ أَيْضًا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَذَهَبَ النَّاسُ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ إِمَّا مَذْهَبَ الْجَمْعِ، وَإِمَّا مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ، فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ فَالْحِجَازِيُّونَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: حَدِيثُ بِلَالٍ أَثْبَتُ وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْجَبُ. وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ فَالْكُوفِيُّونَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نِدَاءُ بِلَالٍ فِي وَقْتٍ يَشُكُّ فِيهِ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَصَرِهِ ضَعْفٌ، وَيَكُونُ نِدَاءُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي وَقْتٍ يَتَيَقَّنُ فِيهِ طُلُوعَ الْفَجْرِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانَيْهِمَا إِلَّا بِقَدْرِ مَا يَهْبِطُ هَذَا وَيَصْعَدُ هَذَا» وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا: (أَعْنِي: أَنْ يُؤَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ) فَعَلَى ظَاهِرِ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ خَاصَّةً (أَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ لَهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ). .الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي الشُّرُوطِ: إِحْدَاهَا: هَلْ مِنْ شُرُوطِ مَنْ أَذَّنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُقِيمُ أَمْ لَا؟ وَالثَّانِيَةُ: هَلْ مِنْ شَرْطِ الْأَذَانِ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِي أَثْنَائِهِ أَمْ لَا؟ وَالثَّالِثَةُ: هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ أَمْ لَا؟ وَالرَّابِعَةُ: هَلْ مَنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْقِبْلَةِ أَمْ لَا؟ وَالْخَامِسَةُ: هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا أَمْ لَا؟ وَالسَّادِسَةُ: هَلْ يُكْرَهُ أَذَانُ الرَّاكِبِ أَمْ لَيْسَ يُكْرَهُ؟ وَالسَّابِعَةُ: هَلْ مِنْ شَرْطِهِ الْبُلُوغُ أَمْ لَا؟ وَالثَّامِنَةُ: هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَأْخُذَ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا أَمْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ؟ فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الرَّجُلَيْنِ يُؤَذِّنُ أَحَدُهُمَا وَيُقِيمُ الْآخَرُ، فَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى إِجَازَةِ ذَلِكَ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي هَذَا حَدِيثَانِ مُتَعَارِضَانِ: أَحَدُهُمَا حَدِيثُ الصُّدَائِيِّ قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ أَوَانُ الصُّبْحِ أَمَرَنِي فَأَذَّنْتُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَجَاءَ بِلَالٌ لِيُقِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَخَا صُدَاءَ أَذَّنَ، وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ». وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ حِينَ أُرِيَ الْأَذَانَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ فَأَقَامَ. فَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ النَّسْخِ قَالَ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مُتَقَدِّمٌ وَحَدِيثُ الصُّدَائِيِّ مُتَأَخِّرٌ. وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ قَالَ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَثْبَتُ لِأَنَّ حَدِيثَ الصُّدَائِيِّ انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيُّ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ حكمها فَلِمَكَانِ اخْتِلَافِهِمْ فِي تَصْحِيحِ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ: (أَعْنِي حَدِيثَ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا») وَمَنْ مَنَعَهُ قَاسَ الْأَذَانَ فِي ذَلِكَ عَلَى الصَّلَاةِ. وَأَمَّا سَائِرُ الشُّرُوطِ الْأُخَرِ فَسَبَبُ الْخِلَافِ فِيهَا: هُوَ قِيَاسُهَا عَلَى الصَّلَاةِ، فَمَنْ قَاسَهَا عَلَى الصَّلَاةِ أَوْجَبَ تِلْكَ الشُّرُوطَ الْمَوْجُودَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَمَنْ لَمْ يَقِسْهَا لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: حَقٌّ وَسُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ أَنْ لَا يُؤَذِّنَ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ، وَلَا يُؤَذِّنَ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ، قَالَ: وَأَبُو وَائِلٍ هُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْقِيَاسِ. قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ «لَا يُؤَذِّنُ إِلَّا مُتَوَضِّئٌ». .الْقِسْمُ الْخَامِسُ [فِيمَا يَقُولُهُ السَّامِعُ لِلْمُؤَذِّنِ]: .الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْإِقَامَةِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا. وَعَلَى الثَّانِي: تَبْطُلُ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: مَنْ تَرَكَهَا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِلَافِ: اخْتِلَافُهُمْ هَلْ هِيَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي وَرَدَتْ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» أَمْ هِيَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ؟ وَظَاهِرُ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ يُوجِبُ كَوْنَهَا فَرْضًا إِمَّا فِي الْجَمَاعَةِ وَإِمَّا عَلَى الْمُنْفَرِدِ. وَأَمَّا صِفَةُ الْإِقَامَةِ: فَإِنَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَمَّا التَّكْبِيرُ الَّذِي فِي أَوَّلِهَا فَمَثْنَى، وَأَمَّا مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَمَرَّةً وَاحِدَةً إِلَّا قَوْلَهُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَرَّتَيْنِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّ الْإِقَامَةَ عِنْدَهُمْ مَثْنَى مَثْنَى، وَخَيَّرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ عَلَى رَأْيِهِ فِي التَّخْيِيرِ فِي النِّدَاءِ. وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ: تَعَارُضُ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَحَدِيثِ أَبِي لَيْلَى الْمُتَقَدِّمِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الثَّابِتِ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُفْرِدَ الْإِقَامَةَ إِلَّا: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ مَثْنَى وَأَقَامَ مَثْنَى». وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَقَمْنَ فَحَسَنٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ أَذَّنَّ وَأَقَمْنَ فَحَسَنٌ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِنَّ عَلَيْهِنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْخِلَافُ آيِلٌ إِلَى هَلْ تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ أَوْ لَا تَؤُمُّ؟ وَقِيلَ: الْأَصْلُ أَنَّهَا فِي مَعْنَى الرَّجُلِ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ، إِلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى تَخْصِيصِهَا، أَمْ فِي بَعْضِهَا هِيَ كَذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا يُطْلَبُ الدَّلِيلُ؟ .الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْقِبْلَةِ: وَأَمَّا إِذَا غَابَتِ الْكَعْبَةُ عَنِ الْأَبْصَارِ هل الفرض الجهة أم العين فَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هَلِ الْفَرْضُ هُوَ الْعَيْنُ أَوِ الْجِهَةُ؟ وَالثَّانِي: هَلْ فَرْضُهُ الْإِصَابَةُ أَوْ الِاجْتِهَادُ: (أَعْنِي إِصَابَةَ الْجِهَةِ أَوِ الْعَيْنِ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَ الْعَيْنَ)؟ .[الْمَسْأَلَةُ الأُولَى]: [هَلِ الْفَرْضُ هُوَ الْعَيْنُ أَوِ الْجِهَةُ]: فَمَنْ قَدَّرَ هُنَالِكَ مَحْذُوفًا قَالَ: الْفَرْضُ الْجِهَةُ، وَمَنْ لَمْ يُقَدِّرْ هُنَالِكَ مَحْذُوفًا قَالَ: الْفَرْضُ الْعَيْنُ، وَالْوَاجِبُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى تَقْدِيرِ هَذَا الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إِذَا تَوَجَّهَ نَحْوَ الْبَيْتِ» قَالُوا: وَاتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّفِّ الطَّوِيلِ خَارِجَ الْكَعْبَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ لَيْسَ هُوَ الْعَيْنَ (أَعْنِي: إِذَا لَمْ تَكُنِ الْكَعْبَةُ مُبْصَرَةً). وَالَّذِي أَقُولُهُ: إِنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا قَصْدُ الْعَيْنِ لَكَانَ حَرَجًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فَإِنَّ إِصَابَةَ الْعَيْنِ شَيْءٌ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِتَقْرِيبٍ وَتَسَامُحٍ بِطَرِيقِ الْهَنْدَسَةِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَرْصَادِ فِي ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ، وَنَحْنُ لَمْ نُكَلَّفْ الِاجْتِهَادَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْهَنْدَسَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْأَرْصَادِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهَا طُولُ الْبِلَادِ وَعَرْضُهَا. .[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ]: [الِاجْتِهَادُ فِي الْقِبْلَةِ]: وَأَمَّا الْأَثَرُ، فَحَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فِي سَفَرٍ، فَخَفِيَتْ عَلَيْنَا الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إِلَى وَجْهٍ وَعَلَّمْنَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، فَإِذَا نَحْنُ قَدْ صَلَّيْنَا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَضَتْ صَلَاتُكُمْ، وَنَزَلَتْ: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)». وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةً، وَتَكُونُ فِيمَنْ صَلَّى فَانْكَشَفَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فَمَنْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ هَذَا الْأَثَرُ قَاسَ مِيقَاتَ الْجِهَةِ عَلَى مِيقَاتِ الزَّمَانِ، وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْأَثَرِ لَمْ يُبْطِلْ صَلَاتَهُ. وَفِي هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَهِيَ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي دَاخِلِ الْكَعْبَةِ. |